الانقياد والتبعية.. إلى أين؟

  •  
  • 2012-05-16
    الإمارات الان

    مدخل

    «الشخص الأحمق هو من يعتقد أنه حكيم، ولكن الشخص الحكيم يعلم في قرارة نفسه أن به شيئاً من الحماقة»
    ويليام شكسبير
    هل سيقوم الناس بالانصياع للأوامر بدون تفكير؟ هل سيقوم الشخص العادي بتطبيق الأوامر الصادرة دون سؤال أو استفسار؟
    لقد أثار هذا السؤال حيرة علماء لوقت غير قصير حتى أتى العالم -المتخصص بعلم النفس- ستيفان ميلجرام وقام بتجربته المشهورة في سنه 1961 والتي برهن على آثار نتائجها أن الناس أكثر انصياعاً للسلطة مما كنا نظن.
    ملخص التجربة هو أن يأتي فرد متطوع ولنسمه (متطوع أ) ويتم اختياره من عامة الناس بشكل عشوائي، وتتم دعوته للمشاركة في التجربة كما يتم خداعه للتفكير أن هذه التجربة في واقع الأمر هي تجربة اختبار للذاكرة. فـ (المتطوع أ) يلتقي بأحد أفراد التجربة على شكل متطوع آخر ولنسمه (ب)، ويقوم شخص آخر بلعب دور الدكتور، ويفسر التجربة لـ (المتطوع أ) على أنها مجموعة من الأسئلة يقوم المتطوع بطرحها على المتطوع الآخر (ب) -الذي هو متنكر بدور متطوع- وكل منهما في غرفة منفصلة لا يرى الآخر. بالإضافة لهذا فإن (المتطوع أ) سيقوم بإرسال شحنة كهربائية للمتطوع الآخر (ب)، عندما يخطئ في السؤال. ولكن في واقع الأمر (المتطوع ب) المتنكر ليس مربوطاً بأي جهاز كهربائي، ولكن هذا كله جزء من التجربة لإيهام (المتطوع أ) بأن ما يحدث حقيقي. ويبدأ (المتطوع أ) بطرح أسئلته على (المتطوع ب)، ومع كل سؤال صحيح ينتقل للسؤال التالي حتى يخطئ. وعندما يخطى يصعقه ويسمع صوت (المتطوع ب) -وهو يمثل- يصرخ من الألم. ولزيادة الحماس في التجربة سيقوم الدكتور المتنكر بأمر (المتطوع أ) أن يرفع جرعة الشحنة الكهربائية في كل مرة إلى 30 فولت بعد كل 5 أسئلة.
    هذا ملخص سريع للتجربة، التي حققت نتائج بالفعل تبعث على الاستغراب والتعجب الشديدين. لقد قام العالم ميلجرام باختبار 40 شخصاً، وقام بوضع 3 مراحل من التكهرب (120 -300- 375) فولت من الشحنة الكهربائية، وقام بتوضيح آثار التكهرب لـ (المتطوع أ)، حيث إن شحنة 375 قد تؤدي لوفاة (المتطوع ب) في حالة تلقيها. الغريب في الأمر أن الـ 40 متطوعاً (من فئة أ) والذين كانوا يشعرون بعدم ارتياح وقلق شديد قد قاموا جميعاً ودون استثناء وصولاً لصعق بشحنة 300 فولت رغم سماعهم للصراخ -التمثيلي- من الغرفة المجاورة لهم. وقام 25 متطوعاً من الـ 40 بصعق بشحنة فوق 375 فولت، بمعنى أن هؤلاء الـ 25 لا مانع لديهم في قتل الشخص الآخر ما دام أنهم ينفذون أوامر صادرة لهم من الدكتور (والذي يمثل سلطة عليا تتحمل هي العواقب عوضاً عنهم).
    رغم أن هذه التجربة في الأساس كانت موجهة نحو مجرمي الحرب العالمية الثانية، وكان تحاول دراسة نفسية هؤلاء الذين كان يقومون بالإبادات الجماعية دون تفكير، إلا أني أرى فيها تشابهاً طفيفاً مع بعض ما نقوم به اليوم. أسئلة كثيرة انبعثت من عقلي بعد قراءتي لهذه النتائج، هل نحن بهذه الدرجة من اللامبالاة أننا ننصاع لأوامر قد تؤدي إلى وفاة الآخرين؟ هل ندفن رأسنا في الأرض كالنعامة تجنباً من مواجهة الواقع المخيف؟ لماذا كان صعباً على المشاركين في التجربة التوقف رغم أنهم كانوا يملكون كامل الخيار والحرية للتوقف متى شاؤوا؟ نعود هنا لمفهوم مهم جداً وهو مواجهة النفس ومحاسبتها قبل القيام بأي عمل، من الضروري جداً أن نشغل عقولنا ونستوعب ما سنفعله، لا يكفي أن تقول: «والله فلان قال لي، أو مديري أمرني، أو حتى أبي قال لي» أو ما إلى ذلك. من المهم جداً أن نحكم لغة العقل والقلب معاً في كل ما نخطو به في حياتنا، أن نتمعن في الاختيارات التي نتخذها، أن نفكر في المصلحة العامة دائماً وأبداً قبل كل شيء قبل أن ينتهي حالنا إلى روبوتات آلية تنفذ ما يقال لها دون أدنى تفكير في العواقب والنتائج التي تليها.
    مخرج
    «كل شخص هو أحمق لمدة 5 دقائق على الأقل كل يوم، ولكن الحكمة تقتضي على أن لا تتعدى هذا الحد».
    إلبرت هبرد
     

  •