عيش، حرية، عدالة

  •  
  • 2012-04-25
    الإمارات الان


    مقولة فرانسيس بيكون "إذا لم تحترم الدولة قواعد العدالة، فإن العدالة لن تحترم قواعد الدولة" ويقول إبن تيمية "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة"... لهذا يكتب التاريخ أقوال ومواقف من مر بهم في رحلته الأزلية التي لا نهاية لها سوي بقيام الساعة، كي نتعلم من هذه الأقوال والمواقف ما يثري تجربتنا الحياتية، في هذه الرحلة القصيرة التي تمثل جزءا اقصر في رحلة التاريخ، فالكلمة التي يدعمها موقف غير مناقض لها، هي التي تحجز لك مكانا يتحدث عنه من يأتون بعدك.

    فكل من " بيكون" و "إبن تيمية" قد عبر عن العدالة والدولة من مفهومه وعقيدته، وبالمعني البسيط عند بيكون أن العدالة لها قواعد علي الدولة ان تحترمها وتنفذها، والدولة هنا تمثل فيما يُسن داخلها من قوانين تنظم العلاقات بين المواطنين وبعضهم البعض، او بين المواطنين والدولة نفسها، فالدولة يجب ان تسن قوانينا تحترم ولا تخرج عن مفهوم "العدالة" عامة ومفهوم "العدالة الإجتماعية" خاصة التي هي مسعي كل مواطن سوي منذ نشئت البشرية حتى الآن، وبما أن مفهوم العدالة لا يتعارض مع أي من الرسائل السماوية، فالعدالة هي الأساس المشترك الذي نريدة كي تنصلح أمورنا في هذه الدنيا، وللعدالة قواعد ومعان مختلفة داخل كل منا يجتمع عليها غالبية الناس بغض النظر عن إختلافهم في العقيدة والفكر والثقافة، ومن التاريخ علينا أن ندرك ونتعلم، أن كل دول الظلم أتت بما يخالف هذا المبدأ، فساد بها كل ما هو مضاد لفكرة العدالة علي مختلف مستوياتها ومعانيها، فأصبحت الطبقية هي المتحكمة، وصار هناك نوعين أو أكثر من الناس، قسموا طبقات متدرجة من الأعلي إلي الاسفل، تشبه إلي حد كبير تدرج الشكل الهرمي الذي قمته رفاهية مكتسبة من معاناة قاعدته، وفي مقولة لجيفارا عن الظلم والمعاناة التي يتعرض لها الفقراء "فوق كل مائدة طعام يوجد شيء من جهد فلاح جائع" وقد يستمر هذا الوضع ويطول، إلا أن مصيره في النهاية إلي الزوال حين ينقلب هذا الهرم رأسا علي عقب بحثا عن العدالة الإجتماعية غير الموجودة، حتي وأن كثر الحديث المغلوط والمضلل عن أنها المسعي الأهم والشغل الشاغل للطبقة الحاكمة، وانهم مؤرقون في مضاجعهم من أجل تحقيقها لكافة المواطنين، وهي بالأساس وعن تجارب كثيرة، كلمات للدعاية وتخدير الشعوب ليس اكثر، حتي في أكثر البلدان التي نادت بالمساواة المبنية علي التوزيع العادل لثروات الدولة، كان هناك فشلا حقيقيا في تطبيق هذه المفاهيم فسادت الطبقية، وكان هناك الفارق الشاسع بين الغني، وبين الفقير المدقع، ايضا في البلاد التي تبنت أنظمتها هذه المفاهيم وعلي سبيل المثال مصر، فقد تبني عبدالناصر هذا الفكر وبدأ بالفعل في تنفيذه، لكن واقعيا فالأمر معروف للجميع، فالطبيقية في مصر كان لها تواجدا في عهد "عبدالناصر"، انتشرت أكثر فاكثر وأخذت منحني هام مع الإنفتاح في عهد "السادات"، ثم أصبحت النخبة الحاكمة ومن علي صلات قوية بهم في عهد "مبارك" هم الأكثر تحكما في مجريات الأمور بمصر، بل وتوغلوا بالدولة لدرجة أن اصبحت القوانين "تفصل تفصيلا" من أجلهم، فهم من كانوا يسنون القوانين وهم من كانوا يناقشونها بالبرلمان ويوافقون عليها دون أدني اعتبار للغالبية العظمي من أبناء الشعب المصري التي حرمت من معظم مظاهر الحياة، حتى أصبح المصريون فريسة لا حول لهم ولا قوة في براثن الرأسمالية الشرسة غير المحكومة، ومن هنا يأتي دور العدالة كي تتصدي للظلم الواقع عليهم – والمقصود بها هنا من وقع عليهم الظلم – فلا يمكن لمواطن أن يحترم قوانين الدولة التي لا تحترمه، بل وكانت سببا في إثقال كاهله بالأعباء التي لا نهاية لها ولا مبرر، ومن هنا يأتي دور المواطن في السعي بشكل شرعي نحو تحقيق العدالة التي حرم منها من خلال ما تعتبره النظم الظالمة حدث غير شرعي وهو "الثورات" والتي تقاومها هذه النظم بكل ما تمتلك من آليات القمع والظلم حتي تستمر دول المنتفعين قائمة.

    من جهة أخري فالعدالة قد يختلف مفهومها عند البعض، نتيجة ضيق الأفق، فأولئك الذين جعلوا من عقولهم مستقبِلا فقط، بل وقصَروا كل ما منحهم الله من أمكانيات في عقولهم علي مجال واحد فقط من علوم الحياة، وهو ما يصب داخلها من ألسنة رجال الدين سواء الثقات منهم أو غير الثقات، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتدقيق فيما يتلقونه، وبالتالي "فلترة" الأفكار التي تبث إليهم، لمعرفة ما يصلح منها وما لا يصلح، وما هو صحيح وما هو غير صحيح، بل لم يكلفوا أنفسهم عناء المقارنة البسيطة بين مفهوم العدالة من وجهة نظر خارج الإطار الذي حصروا أنفسهم داخله، فأخضعوا أنفسهم للنقل وأهملوا العقل، حتي اختلطت عليهم الأمور وأصبحت مفاهيم مثل الحرية، والعدالة، والمساواة، وغيرها ينظر إليها من منظار واحد غير واضح الرؤية علي أنها متعارضة مع عقيدة المجتمع، وأصبحوا ينفرون من كل ما كتبه الذين اتهموهم بالعداء، ووضعوهم في خانة الخصوم والمكفرين، وأقبلوا فقط علي من يخدرون العقول.

    فالعدالة بمعناها في مقولة أبن تيمية، ليست عنصرا ثانويا، بل عنصرا جوهريا وأساسيا، وهي المقياس الذي يساعد في تحقيق الغلبة للشعوب، بغض النظر عن مدي إيمان هذه الدول، فالعدالة لا دين لها، فقد وجدت من قديم الأزل وحتي الآن، فالشعوب التي نعمت بالعدل نعمت بالإستقرار، وانتصرت مبادئها واستمرت، أما تلك البلدان التي حرم شعبها من العدالة، كثر بها التوتر والسخط، فخلف كل باب كان هناك مظلوما ينتظر الفرصة التي يباغت فيها من حرمه الحياة الكريمة، فإنهزمت هذه البلدان وتلاشت او أصبحت لا قيمة لوجودها، فلابد لنا وان نتذكر دوما أن "العدل هو أساس الملك".





  •