الإمارات.. تدهور حقوقي عن سبق إصرار

  •  
  • 2012-05-14
    الإمارات الان
    ايماسك/ التقرير الاسبوعي/   على مدار سنة ونيف كاملة، لا يمكن أن يصدق وصف على الإمارات سوى تدهور تلو تدهور، يعقبه تدهور آخر في مجال حقوق الإنسان، حتى غدا كل أسبوع يسجل أوصافا متكررة: كثل "تصعيد جديد" و " غير مسبوق" و"تحطيم الرقم القياسي" و "تجاوز الخطوط الحمراء"، حتى كادت أن تنفد تعبيرات اللغة من هذه التوصيفات. 
    ففي كل أسبوع، هناك المفاجآت غير السارة، ببطولة جهاز أمن الدولة ضد ناشطي الإمارات ومثقفيها، وكأن هذا الجهاز: إما مكرس ومخصص لمحاربة الناشطين أو أنه يبحث عن مبرر لاستمراره في تخليق توترات وإشكاليات واشتباكات لا تنتهي. 
    على مدار الأسبوع المنصرم، شهد الواقع الحقوقي الإماراتي إمعانا آخر في "توبيئ" (من وباء، أي نشر وباء) الساحة الإماراتية بمزيد من التعقيدات الأمنية، التي لا ينقصها سوى صوت الحكمة والتعقل الذي طال غيابه! 
    استمر مسلسل اختطاف الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، ودخل هذا الاختطاف المستنكر والمدان شهره الثاني. ودخلت قضية المسحوبة جنسيتهم تأجيلا آخرا أمام القضاء بمماطلة وتلكؤ واضحين من وزارة الداخلية. وإضافة إلى الانتهاكات الأمنية الواقعة على مواطني دولة الإمارات، فإن جهاز الأمن يقود حملة "تطهير" ضد المقيمين، فيعتقل مدرسين أردنيين ومقيمين فلسطينين وقبلهم مصريين وسوريين ولبنانيين، ولا نعرف لمصلحة من، ولحساب من يتبرع جهاز الأمن في هذه الخدمات الأمنية.. فإذا كانت بلدانهم الأصلية أتاحت لهم حرية التنقل والسفر على خلاف جهاز الأمن لدينا الذي يمنع عديدين من الإماراتيين من السفر، إذا بلدانهم سمحت لهم بذلك، فلمن ولماذا هذا السلوك الأمني غير المفهوم!
    الأشد سوءا من ذلك، ما أعلنته وسائل إعلام سويدية من قيام جهاز أمن الدولة في الإمارات بتعذيب مواطن أمريكي مسلم بالوكالة عن أجهزة الأمن الاستخبارية الأمريكية! فهل من المقبول أن يصل التنسيق الأمني الأمريكي الإماراتي إلى هذا الدرجة من التنسيق، الذي يقترب من صيغة التبعية والوظيفية أكثر من صيغة تنسيق! وماذا يستفيد المواطن الإماراتي، والإمارات عموما، من هذه العلاقة الأمنية غير المتكافئة بين جهاز أمن الإمارات والأمن الأمريكي؟  أم لدينا نسخ من دحلان غزة وعادلي مصر وسنوسي ليبيا؟! ولكن، وكما انتهت هذه النماذج، فسينتهي النموذج الأمني الإماراتي، إلى نموذج أمني أكثر جدارة وحرفية ووطنية!
     ولكن من جانب آخر، فقد كان هذا الأسبوع، أسبوع الانتصار الحقوقي بامتياز من جانب منظمات حقوق الإنسان الدولية  والعربية. فقد جددت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومركز الخليج للحقوق، وغيرهم من منظمات حقوقية ذات شأن، مطالبة السلطات الإماراتية بالإفراج الفوري عن جميع المختطفين الثلاثة عشر، وإعادة جنسيات المواطنين السبعة، وأن ترقى هذه السلطات إلى مستوى طموح وتطلعات شعبها، الذي يطالب بحقوق وحريات مشروعة، لا ينقص منها اختطاف ولا سحب جنسية، وإنما تؤشر هذه السياسة الأمنية إلى دقة وصوابية المطالبات الحقوقية للشعب الإماراتي كافة.
    ومن المؤسف له في هذا السياق، هو تزيين جهاز الأمن سلوكهم المشين على بعض حكام الإمارات، ونجاحهم في التباس الفهم لديهم. فبسبب الصورة غير الدقيقة، والتقارير المزعومة، هاجم الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة الناشطين الحقوقيين داخل الدولة ووصفهم بالمزايدين والخونه للدولة وأعتبر أن الوطن ليس بحاجة إليهم. 
    وأضاف الشيخ القامسمي: "إننا الآن نسمع بعض المزايدين الذين يريدون أن يعبثوا باستقرار هذا البلد، وأنا أقول لهم إن أهل الإمارات ليسوا بحاجة إلى من يعلمهم". وأشار أن الحديث موجه لمن يريد أن يعطي الناس دروساً الجميع في غنى عنها! مضيفاً أنه لا مزايدة على الدين والوفاء وحب الوطن، فنحن نحتضن الغريب للعيش بيننا، فكيف الحال بالنسبة لأبنائنا.
    إن المسؤول عن هذه التصريحات وهذه النظرة للأمور، هو ما تزينه بطانة لا تريد لا للدولة ولا للشعب ولا حتى للحاكم نفسه الخير. فكيف يستقيم أن يقال هذا الحديث عن رجال قريبين من حاكم رأس الخيمة وهو بهم أعلم، عملوا معه ومع المغفور له الشيخ صقر، بل كان الشيخ صقر أكبر داعم لمن قيل في حقهم هذا الكلام! 
    لقد تبوأ ناشطون إماراتيون مناصب رفيعة في الدولة، وخاصة من رجال دعوة الإصلاح، في وقت كانت الدولة لم يقو بنيانها بعد، فعمل دعاة الإصلاح على تقويته وتعظيمه وتوطينه، ولم يستغلوا أي موقف لا لأشخاصهم ولا لدعوتهم، وإنما كانوا مواطنيين بأجندة وطنية خالصة! 
    ليس الإماراتيون الذين تغيروا، فقبل الاتحاد وهناك ناشطون إماراتيون ومفكرون ومثقفون من مشارب ومنابع فكرية شتى، إسلامية وقومية ويسارية، والجميع خدم الدولة بإخلاص وتفان، وسخرنا الأفكار في خدمة الدولة، ولم نسخر الدولة في خدمة الأفكار مطلقا! 
    إن الذي تغير هو السياسية الأمنية، والعقيدة الأمنية إلى جانب بعض صناع القرار السياسي والأمني في الدولة. وهذا التغيير غير المبرر، وغير المقبول؛ كونه يفرض وجهة نظر واحدة على الأمة الإماراتية لشخص أو مجموعة أشخاص، هو الذي يسبب هذا التأزيم الحقوقي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي.. ونذره أخطر بكثير من التنبؤ بها: بمساراتها ومآلاتها!
    الحالة الإماراتية الراهنة، لا يمكن أن يكون لها سوى مستقبل واحد، لطالما دأب الحكام الجديرون والحقيقيون على تأكيده، من جانب رئيس الدولة ونائبه في مختلف المناسبات. لأن كان اُبتلي الإماراتيون بجهاز أمني ذا بطش شديد يجد من يستمع له، ويأخذ بتقديراته، فقد أُكرمنا بحكام أكثر قدرة على فهم الأمور، وأكثر حرصا على قارب الدولة الإماراتية.
    في هذا السياق، الذي نراهن عليه، في وسط الأزمة الأمنية الحالية، هو تأكيد نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على أن الإمارات ستظل واحة للحرية والعدالة. 
    نعم لقد أقر الشيخ بذلك، وأقر أن الإمارات ستظل واحة للحرية والعدالة والتعايش والسلام وعنوانا للتواصل الإنساني مع شعوب العالم، ليس بجهاز أمنها، وإنما بشعبها. 
    هذه هي المواقف التي تعبر عن تلاحم وتفاهم بين الحكام والمحكومين، يقدر فيها الحاكم قيمة وأهمية شعبه، ويعظم رهانه عليهم، وبين شعب لم يعرف إخلاصا ولا اعترافا بشرعية غير شرعية هؤلاء الحكام!
    ومع وجاهة ما صرح به نائب رئيس الدولة، إلا أننا يجب أن نقر بتخوفنا على أن مقدرة الإماراتيين بأن أن يكونوا على قدر الرهان، والفوز به، هو أمر تخالطه شكوك عظيمة، بسبب ما يعانية الشعب الإماراتي من محنة حقوقية، لم ترحم ولم تحترم أحدا، جراء سياسات أمنية لا يمكن أن يوقفها سوى حاكم حكيم كرئيس الدولة ونائبه! فهل سيتدارك هذان الحاكمان الحيكمان صورة وسمعة الدولة، وكرامة وعزة المواطن وحقوقه وحرياته... رهاننا كبير.. وهما به جديران! 
    فلقد وصلت الحالة الأمنية الإماراتية، لحالة لا ينفع معها مناشدات، ولا كتابة عرائض ولا خطابات. وبالقدر الذي يبديه جهاز الأمن من إصرار على الإضرار بالواقع الحقوقي الإماراتي، فإن الناشطين أكثر إصرارا على إصلاح هذا الواقع، لا ليعود كما كان قبل شهر أو سنة، بل لن يرضى الناشطون بأقل من سِفرٍ حقوقي جديد، تصوب فيه العقيدة الأمنية، وينعم المواطن بكل حقوقه وحرياته! 
     

  •