الاتحاد الخليجي.. ضرورة إستراتيجية

  •  
  • 2012-05-15
    الإمارات الان
      ليس هناك سببا مقنعا ولا مبررا واحدا لتأجيل إعلان الاتحاد الخليجي بصورته الأولية بين السعودية والبحرين، وإن كنا نود أن يكون وحدة شاملة بين دول مجلس التعاون الخليجية العربية الست. غير أن المواطن الخليجي صدم، كالعادة، من قرارات التأجيل والتسويف، بذريعة الدراسة والبحث لقرار الاتحاد، وكأن الوحدة أو الاتحاد الخليجي يتطلب أكثر من إرادة سياسية، وقرار سيادي، وهما متوفران، ولكنهما مع وقف التنفيذ!
    التعاون، لم يعد الصيغة المثالية ولا التعبير الدقيق عن متطلبات واقع ومستقبل شعوب المنطقة، وسط تحديات تزداد قربا، وتزداد عدوانية وشراسة، إلى جانب أوضاع داخلية للشعوب الخليجية تعاني كبت ومصادرة الحقوق والحريات والتضييق، وتَجَبُر العصا الأمنية، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية أخرى! 
    وإن كانت الوحدة، لا تزال فكرة طوباوية، كما يريد أن يرى ذلك البعض، فليس أقل من الحديث عن اتحاد. اتحاد بين دول مجلس التعاون كافة. اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي، الذي استطاع أن يبرز أوروبا قوة اقتصادية وسياسية هائلة، ما كان ليكون لها ذلك، لو بقيت دولها دون صيغة الاتحاد تلك. 
    إن صيغة الاتحاد الأوروبي، هي أنقى وأفضل تجارب الاتحاد المعاصرة، رغم ما قد يستدرك عليها في جزئية هنا أو جزئية هناك. وهي نموذج جيد لدول مجلس التعاون، تحتفظ كل دولة في الاتحاد الخليجي بشخصيتها الدولية، وتمثيلها الخارجي، ودستورها ونظامها وسلطاتها داخليا، مع إتاحة تأثير التجربة الفضلى على التجربة المفضولة. فتأخذ الدول الخليجية تسامح وانفتاح الإمارات، وتأخذ الدول الخليجية التجربة الديمقراطية الكويتية مع تطويرها، وتأخذ الدول الخليجية من السعودية الحفاظ على الهوية المحلية والدينية. ..
    إن الاتحاد الخليجي، يشكل قوة جغرافية طبيعية وبشرية، تشكل مقابلا موضوعيا قويا في مواجهة وهمْ العظمة الإيراني، وعجرفة القوة المزعومة، ويضع حدا لاستفزازات "الملالي" Ùˆ" الآيات"!  
    الاتحاد الخليجي يشكل قوة عسكرية وأمنية وجيوسياسية إستراتيجية تفوق حجم النظام العدو في إيران. الاتحاد الخليجي يشكل توزانا استراتيجيا للتكتلات السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، سواء في مواجهة إيران أو إسرائيل أو تركيا أو الهند أو باكستان، وغيرهم على الصعيد العالمي.
    ليس مفهوما، ولا نتفهم تخويف الشعوب الخليجية من الاتحاد، وتصوير هذه القيمة والفضيلة في العمل السياسي الخليجي على أنها تذويب لخصوصية دولة أو شعب خليجي، أو أنه تدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أو تدخل في علاقاتها الخارجية. فإذا كانت التخوفات والتوجسات معروفة، فيمكن السيطرة عليها ببساطة، ومعالجتها ضمن برتوكول الاتحاد المفترض في تنظيم الاتحاد الخليجي.
    الاتحاد الخليجي ليس ترفا، وإنما هو ضرورة إستراتيجية تفرضها طبيعة المرحلة الراهنة لدول مجلس التعاون في صعيدها الداخلي، وفي صعيدها الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، فإن الشعوب الخليجية بحاجة إلى أفق جديد يستوعب تطلعاتها وآمالها، بالحرية والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، والشفافية ومكافحة الفساد، وإعدام الحلول الأمنية وتحقيق التنمية في مجالاتها كافة. إن الإصلاح السياسي لأنظمة الدول الخليجية وحكوماتها ودساتيرها وتشريعاتها شرط أساسي لنجاح الاتحاد، حتى لا يغدو الاتحاد كلمة حق يراد بها باطل، وتستجلب التخوفات والرفض الشعبي من بعض شعوب دول الخليج. نريد الاتحاد حلا لمشاكل الشعوب الخليجية لا أن يكون جزءا من مشكلاته، وسببا آخر لمقاومته.. والطريق إلى هذا معروف: إصلاح سياسي، وطمأنة الناس على حقوقها وهويتها وخصوصيتها!
    أما على الصعيد الخارجي، فإن ردة الفعل الإيرانية على الاتحاد بين البحرين والسعودية، يشكل بحد ذاته حافزا للسير نحو استكمال المشروع، وببقية دول الخليج الست أيضا! في العمل السياسي، ليس الحكم على صوابية القرارات وحكمتها هو ما تكسبه، وإنما ما يؤدي إلى خسارة العدو، وإزعاجه وكبح جماحه وتقليم أظافره! وقد أثبتت فكرة الاتحاد جدارتها بسحق الأطماع الإيرانية، والتصدي لها في مهدها، حتى أفقدت القوم صوابه! أولا يكفي أن يكون هذا مؤشرا جديا وحاسما نحو تقرير الاتحاد والإسراع عن ميلاده، الذي ستولد معه أمة خليجية جديدة واحدة وموحدة ومقتدرة خيرة!
    قد لا يكون هناك ما يكفي من التبريرات المنطقية، وجُمَل الإقناع الساحرة "للمشككين" أو المتشككين، بعظمة الاتحاد وفكرته وتحقيقها. ولكن هناك من الضرورات الاستراتيجية ما يجعل الاتحاد الخليجي خيارا لا حيدة عنه، ولا زهد فيه! ولا سيما أن شعار الشعوب الخليجية اليوم: "الشعوب الخليجية تريد الاتحاد"! فهل من مستجيب، أم نضاعف التأكيد على أن: "تجاهل إرادة الخليجيين في تحقيق الاتحاد"ØŒ هو ضرورة إستراتيجية وسببا كافيا للاتحاد الخليجي المرتقب! 

  •