القمع والصحافة !

  •  
  • 2012-05-07
    الإمارات الان
    كان القمع عنوان العام المنصرم، فلم ترتبط حرية الإعلام بالديمقراطية إلى هذا الحد ولم يتعرض عمل الصحافيين يوما إلى المضايقة إلى هذا الحد، ولم تكن الإجراءات الرقابية والاعتداءات على سلامة الصحافيين الجسدية يوميا كثيرة إلى هذا الحد، المعادلة بسيطة: من شأن غياب الحريات المدنية أن يؤدي إلى غياب أو تغييب الصحافة!!"، هكذا سطرت منظمة "مراسلون بلا حدود" تقريرها لعام 2011 لتدل على تراجع الحريات الصحافية على مستوى العالم حتى في الدول التي كانت تتسم بقدر كبير من الحريات الصحافية، أو التي حققت تقدمًا ملموسا خلال السنوات الأخيرة، لكن عام 2011 ربما كان الأسوأ منذ بداية القرن الجديد، ولذا فإن العالم حين "يحتفل" باليوم العالمي للصحافة كما حدث في الثالث من شهر مايو -الأسبوع الماضي- إنما يحتفل بتراجع حرية الصحافة لا بتقدمها، بل ربما جاء الاحتفال بذلك "باهتًا"، خلافا لمثل هذه المناسبات، وكأن العالم قد صدّ عن الصحافة وتركها تواجه مصيرها بنفسها.
     ÙØ¹Ù…ليات القمع التي يتعرض لها الصحافيون في أماكن كثيرة من العالم أصبحت ظاهرة مقلقلة لبني البشر، ويكفي أن هناك صحافيًا يُقتل كل خمسة أيام، عدا عن الجرحى والمخطوفين والمسجونين بسب أدائهم لواجبهم في نقل الحقائق إلى الناس. وتمثل الحروب والأنظمة القمعية "بيئة" مناسبة لقمع الحريات الصحافية، فالتقرير يتحدث عما سماه "الثلاثي الجهنمي" المكون من إريتريا وتركمانستان وكوريا الشمالية، حيث تنتفي الحريات، كما تحدث التقرير عن تراجع كبير للحريات الصحافية في بعض البلدان الأوروبية التي كانت تعد رائدة في الحريات الصحافية، وبلدان في الشرق الأوسط مع أنها كانت في المراتب المتقدمة إلا أنها تراجعت في مستوى الحريات، ولا يبدو بصيص من الحريات الصحافية إلا في بعض الدول التي خرجت من أنظمة دكتاتورية كتونس التي تقدمت من المرتبة 164 إلى 134 متجاوزة بذلك دولا كثيرة، كما شهدت ليبيا تقدما ملحوظا كذلك، إذ تقدمت إلى المرتبة 154 بعد أن كانت في المرتبة 160ØŒ بينما تراجعت الحريات الصحافية في بعض البلدان التي شهدت ثورات شعبية، وهذا على عكس ما كان متوقعًا، فقد تراجعت مصر من المرتبة 127 إلى 166ØŒ كما تراجعت اليمن من المرتبة 170 إلى 171ØŒ مما يشير إلى أن التقدم في الحريات الصحافية مرتبط بالاستقرار، حيث إن الدول الأربع شهدت ثورات شعبية لكنها تفاوتت من حيث الحريات الصحافية، أما سوريا فقد تراجعت من 173 إلى 176ØŒ وباتت على "تخوم" الثلاثي الجهنمي كما يصفها التقرير، إذ يفرض النظام السوري تعتيمًا على التغطية الصحافية ووسائل الإعلام الأخرى سواء كان الصحافيون محليون أو من دول أجنبية. وتعد سوريا واحدةً من أكثر عشر دول فرضًا للرقابة على الوسائل الإعلامية، وقد ازدادت هذه الحالة بعد الثورة السورية، وقُتل عدد من الصحافيين السوريين والأجانب بسبب تغطيتهم لأحداث الثورة كما تعرض عدد منهم للاعتقال والتعذيب، أما على الجانب الإيجابي فإن الكويت تأتي في مقدمة الدول العربية إذ تقف في المرتبة 61 من حيث الحريات الصحافية.

     Ø¥Ù† من يقرأ التقرير يجد أن معظم الدول العربية قد تراجعت فيها الحريات الصحافية بصفة عامة، رغم اتساع منافذ الخروج من حالة القمع لهذه الحريات، فلم يعد وجود المحرر الصحافي في الميدان ضرورة يتطلبها العمل الصحافي، إذ يكفي أن يملك أحد من الناس جهاز هاتف بخاصية الكاميرا والكتابة ليصبح صحافيًا يكتب التقارير ويرسل الصور والأفلام المسجلة إلى المؤسسات الصحافية، وقد استطاعت وسائل الإعلام الوصول إلى أكثر الأماكن إغلاقا من خلال تعاونها مع الناشطين على الأرض في تلك الأماكن، كما أدت الوسائل التكنولوجية لتسجيل الحدث ونقله مباشرة، ولم يعد المتابع بحاجة لانتظار موعد نشرة الأخبار أو صدور الصحيفة ليطلع على الخبر فقد أسهمت التكنولوجيا في فتح أبواب الحريات الصحافية لا من حيث حرية الرأي فقط بل من حيث سهولة استخدام الوسائل الإعلامية، ومع ذلك فما زالت الحريات الصحافية تتعرض للقمع حتى بالوسائل التكنولوجية ذاتها، فمراقبة المواقع الإلكترونية وحجب بعضها وملاحقة بعض المدونين والصحافيين كل ذلك يشكل انتهاكًا وقمعًا للحريات الصحافية عدا عن حرية الرأي وحق التعبير الذي كفلته الشرائع والقوانين المحلية والدولية، بل إن المؤسسات الكبرى التي تعمل في مجال تقنية المعلومات أصبحت "خاضعة" للضغوط من أجل فرض رقابة على ما ينشر على صفحاتها فقد أصدرت مبادرة الشبكة العالمية تقريرها السنوي، وأشارت فيه إلى أن أكبر ثلاث شركات وهي جوجل ومايكروسوفت وياهو، تقدم "المعلومات إلى الحكومات القمعية أو العمل مع شركات لا ضمير لها"ØŒ ويبدو أن العالم يشهد تراجعًا في الحريات العامة عدا عن الحريات الصحافية على الرغم مما يمكن ملاحظته من تقدم في ذلك، وهذا مؤشر على تراجع الحريات العامة على مستوى العالم، فحرية الصحافة ليست إلا صورة لوجه من الحريات العامة للشعوب والمجتمعات، ولا شك أن ظواهر مثل القمع والاضطهاد والإرهاب تسهم في تراجع مستوى الحريات إذ يحتج كل طرف بحاجته لمواجهة الطرف الآخر باتخاذ خطوات تؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع الحريات ومن بينها الحرية الصحافية، وإذا كان العالم يتذكر في الثالث من مايو من كل عام حرية الصحافة فإن أيام العام كلها لا تستطيع أن تحقق للصحافة حريتها وضمان أداء رسالتها ما لم يعمل الإنسان على ذلك!
    المصدر:علامات اونلاين
    ...........................

  •