أصحاب الأخدود الجدد

  •  
  • 2012-05-05
    الإمارات الان
       ÙÙŠ ÙƒÙ„ وقت، وفي كل مكان، تتكرر حادثة أصحاب الأخدود، بصور ووسائل عديدة وفق آليات وأساليب العصر. غير أن ما يجمع بينهم جميعا هو سبب النقمة والانتقام من المؤمنين، كونهم آمنوا بالله العزيز الحميد، الجبار المنتقم، ملك الملوك. فمن نوح عليه السلام، إلى بقية أولي العزم، وسائر الأنبياء وورثتهم من العلماء واجهوا أخاديد لم تتوقف، ومؤامرات لم تنته، ولكن الله نصرهم في كل هذه المواقف.. سواء آمنت أقوامهم أم لم تؤمن!

    وجاءت قوة الله ونصرته من حيث لا يحتسب المتجبرون، وكانت نصرته سبحانه لأوليائه دائما معجزة بحد ذاتها، تخالف الحسابات المادية للبشر، قاصري النظر.. فسفينة نوح بنيت في الصحراء، والبحر انشق يبسا لموسى، والنار تحولت بردا وسلاما لإبراهيم، والمسيح يحيا رغم مؤامرة قتله وصلبه، ومحمد بن عبد الله، يقدم للبشرية قادة عظاما فاتحين من وسط الصحراء القاحلة.. يبددون ظلمات العبودية والاستعباد والاستبداد بنور العبودية لله وحده!

    وما دام هناك من يسير على درب الأنبياء، في سبيل الله، فإن يد الله لا تتوانى عن نصرة وتمكين الصالحين والمصلحين، وزلزلة عروش المرجفين! حدث ذلك عبر القرون الماضية، وأحدث محطاته التمكين للشعوب المستضعفة المؤمنة في مصر وتونس وليبيا وسوريا وفلسطين، وفي كل مكان فيه أصحاب الأخدود!

    ليس بالضرورة أن تكون عقوبة الأخدود، هي حفر الأنفاق الكبيرة في الأرض وإشعال النار فيها، فهذه وسيلة ليست أكثر، وإنما المقصود هو فلسفة العقاب والانتقام التي يواجهها المؤمنون في كل زمان ومكان. أخاديد اليوم، أكثر إيلاما، وأكثر قسوة، كون المؤمنين يموتون فيها كل يوم، ولا يموتون فيها ميتة واحدة!

    السجن أخدود، الاختفاء القسري أخدود، سحب الجنسيات، والتعميمات الأمنية لمحاربة الناس في أرزاقهم أخدود، إقصاء الناس وسلب حقوقهم وحرياتهم أخدود، التمنن على الناس بالعمل والوظيفة أخدود. والتمنن هو نفس المنطق، الذي واجه به فرعون موسى:" ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين"، فهذا المنطق إلى جانب كونه تمننا، فهو معجزة تظهر أن الحسابات الربانية فوق حسابات البشر؛ إذ عاش موسى في قصر فرعون الذي كان يبحث عن كل مولود ذكر ليقتله، خشية أن يكبر أحد الذكور فيقتله؛ تحسبا لتحقق أحد أحلامه! فكانت معيشة موسى في قصر فرعون، آية الأيات وأبلغ الدروس والعبر، فهل من معتبر؟!

    في جميع قصص الأخاديد السالفة، كان المتجبرون يسعون لانتزاع المواقف من المؤمنين في أمر ما. في قصة موسى، كان فرعون يسعى لأن يعترف به موسى إلها، له ملك مصر وتجري الأنهار من تحته، وفي قصة إبراهيم كان نمرود يسعى لأن يعترف به إبراهيم إلها يحي ويميت! وفي سيرة محمد بن عبد الله (ص) كانت قريش تريد من الرسول (ص) أن يعبد أصنامها يوما، و تعبد قريش إله محمد يوما! غير أن أنبياء الله وأولياءه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يثبتهم الله وينصرهم! فقهر موسى فرعون، وقهر إبراهيم نمرود، كما قهر محمد قريش وأصنامها! كما قهرت ثورات مصر وتونس وليبيا طغاتها، كما ستقهر ثورة سوريا وكل ثائر أي نظام متجبر، وأي جهاز أمني متبجح!

    لن ينتزع أحد المواقف من الصالحين، مهما بلغت الضغوط ، لن يسقط أحد الثوابت مهما كاد الكائدون، لن يخترق أحد الحصون مهما عظمت التضحيات، لن نتيه ولن نحيد مهما اشتدت المؤامرات. لن نبدل دمنا ولا ديننا ولا بيعتنا لله، مهما تطورت الأخاديد! بل سيكون أخدودنا، درسا لمن لا يزال مترددا في اللحاق بنا، كما وقع الملك الذي تحدثت عنه سورة البروج، في كمين الصبي الذي فشل الملك في

    قتله مرات عديدة للتخلص من دعوته.. فأعطاه الصبي المؤمن وصفة قتله، بثقة وهو يسير نحو الشهادة في سبيل الله، قائلا: "اجـــــمع الناس، وخُذ هذا السهم، وقل: باسم رب الغلام، ثم أطلق السهم؛ فتقتلني.

    ولما كان نصر الله دائما يأتي من حيث لا يحتسب أؤلئك، آمن جميع الناس دفعة واحدة، قائلة:" آمنا برب الغلام". وهذا ما أراده الغلام بفطنته وذكائه، فجاء نصر الله والفتح.. كما سيأتي نصر الله والفتح القريب في كل مكان وسيدخل الناس في دعوة الحق، لا يخافون إلا الله، وأجهزة الأمن على ثورتهم!

  •