القابلية للتخلف !!

  •  
  • 2012-04-30
    الإمارات الان
    كان يتحدث بغضب عن دور الاستعمار في التخلف الذي تعيشه بلاده، وكأن الاستعمار ما زال جاثما على أرضه أو أنه غادرها الأسبوع الماضي!! علما بأن آخر جندي استعماري غادر بلاده منذ أكثر من خمس وستين سنة! هكذا كان أحد المتحدثين العرب «يبرر» تخلف بلاده، وليس هذا المتحدث هو الوحيد الذي يلقي بتبعية التخلف على الاستعمار، رغم أن الاستعمار ليس بريئا من ذلك، لكن البعض «يهرب» إلى الاستعمار ليلقي عليه كل أسباب التخلف دون أن يبحث عن الأسباب الأخرى لهذا التخلف الذي تعيشه بلاده بعد أن غادرها الاستعمار، فمنذ بداية السبعينيات لم يبق في العالم سوى جيوب صغيرة خاضعة للدول الاستعمارية، أما بقية دول العالم فقد استقلت رسمياً «على الأقل» فماذا فعلت كي تغير من حالها؟! لقد خرجت من الاستعمار لتدخل مرحلة «القابلية للاستعمار» كما سماها المفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله- أي تخلصت من صورة الاستعمار ولكن بقيت تمارس حقيقته بالتبعية والتخلف. ولذا فليس عيباً في القوي أنه أصبح قوياً ولكن العيب في الضعيف أنه لم يعمل كي يتخلص من ضعفه، ولهذا فإن حالة الشعوب التي تأخذ بأسباب التقدم الحضاري والقوة والمكانة السياسية، والقدرة على التطور والتنمية ستبقى كذلك ما دامت تأخذ بأسباب التقدم، وكذا حالة الفقر والتخلف ستبقى ملازمة لأصحابها ما لم يأخذوا بأسباب التخلص منها، لأنها سنة الحياة الماضية في الشعوب والأمم. ولقد شهد التاريخ القريب والبعيد صوراً ونماذج للسقوط والصعود، وشهد كذلك تفاوتاً كبيراً بين الشعوب والدول في مختلف جوانب الحياة، فقد ازداد فارق الفقر بين الدول، كما ازدادت مشكلاتها وحروبها، وتلويثها للبيئة، وقضاؤها على الطبيعة. وتقسم العالم إلى قسمين شمال وغرب من جهة، وشرق وجنوب من جهة أخرى، وأصبح القسم الأول ملازماً للتقدم والصناعة والقوة والوفرة ورغد العيش، بينما أصبح القسم الثاني ملازماً للتخلف والضعف وشح الإمكانات وخشونة العيش رغم أن البشرية -بصفة عامة- زادت من أموالها واستهلاكها وإمكاناتها المادية. فدراسات الأمم المتحدة التي تنشرها من خلال تقارير التنمية البشرية السنوية تشير إلى أن البشرية قد ازداد في الاستهلاك العالمي خلال العقود القريبة الماضية بما يعادل 16مرة، وقد ازداد نصيب الفرد من الاستهلاك في أوروبا بمعدل %2.3 سنوياً خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، أما في شرق آسيا فقد ازداد الاستهلاك %6.1، وفي جنوب آسيا ازداد بنسبة تبلغ %2، أما إفريقيا فحالها أسوأ عما كانت عليه قبل ربع قرن، فقد تراجع استهلاك الفرد والأسرة فيها بنسبة %20 عما كانت عليه قبل تلك السنوات، وهناك مليار إنسان في العالم يعيشون في الدول النامية لا يجدون الحاجات الأساسية، وليس هذا الأمر بغريب إذا عرفنا أن %20 من سكان العالم وهم الذين يعيشون في الدول الصناعية يحصلون على %86 من أموال العالم! أما أفقر %20 من سكان العالم فلا يحصلون من أمواله إلا على %1.3، ولا يتوقف الأمر على الأموال فقط بل يتجاوز إلى كل جوانب الحياة فهؤلاء الـ%20 الأغنياء أي خمس سكان العالم، يحصلون على %45 فقط، من اللحوم والأسماك التي تستهلك في العالم، بينما الخمس الأفقر يحصل على %5 فقط، وفي الطاقة يحصل الخمس الأغنى على %58 من الطاقة في العالم، أي أكثر من النصف بينما يحصل الخمس الأفقر على أقل من %4، وعن استهلاك الورق فإن الخمس الأغنى يستهلك %84 من الورق في العالم بينما يستهلك الخمس الأفقر %1.1. أما عن وسائل النقل من المركبات فيملك الخمس الأغنى %87 منها، بينما يملك الخمس الأفقر %1، مقابل ذلك فإن ما يقدمه الخمس الأغنى من تلوث للبيئة يعادل ما يملكه من صور الرفاه تقريباً، أي إنه يأخذ من العالم أفضل ما لديه ويقدم له أسوأ ما عنده، فنصيب الفرد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون يزداد في الدول الصناعية، إذ إن نصيب الفرد في الولايات المتحدة الأميركية -مثلاً- 20.5 (عشرون ونصف طن متري) سنوياً، وفي كندا 14.8 طن متري وفي ألمانيا 10.3 طن متري، وفي اليابان 9.0 أطنان مترية، ويتسبب الخمس الأغنى من سكان العالم في الدول الصناعية في %53 من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، بينما يتسبب الخمس الأفقر في %2 فقط، وقد أدى ذلك لظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد العالم بل وتهدد بظواهر بيئية وطبيعية خطيرة، ومن الإحصاءات الطريفة أن الطفل الذي يولد في العالم الصناعي يضيف إلى الاستهلاك والتلوث على مدى حياته أكثر مما يفعل ذلك 30 إلى 50 طفلاً يولدون في البلدان النامية!! ولعل من أخطر الظواهر البيئية تواجه البشرية هو شح المياه، فقد أصبح نصيب الفرد أقل من 1000 متر مكعب، وذلك في عشرين بلداً تعاني من نقص المياه، أما على المستوى العالمي فقد انخفض نصيب الفرد من المياه من 17000 متر مكعب عام 1950 إلى أقل من 1000 متر مكعب فقط خلال العقد الأخير! إن هذه الأرقام وغيرها تشير على ما يبدو إلى أن العالم يسير نحو الهاوية وهو لا يعلم أو يعلم ويتجاهل ذلك!! ولذا فإن إلقاء تبعية التخلف في أي مجتمع على الأسباب الخارجية لا تعفيه من العمل لمواجهة أسباب تخلفه الذاتية وتقصيره عن القيام بدوره في مواجهة مشكلاته الإنسانية وما يحيط به حتى لا تصبح ظاهرة تعليق التخلف على شماعة الاستعمار أو «المؤامرات» الخارجية سببا لذلك. لقد نهضت شعوب كثيرة من تحت رماد الهزائم والانكسارات، لكنها برؤيتها الثاقبة استطاعت أن تحول هزائمها العسكرية إلى انتصارات اقتصادية واستراتيجية حتى أصبحت مكانتها العالمية في المقدمة، فلماذا يصر بعضنا على تبرير تخلفه، حتى لو قيل له إن أحدا طلق زوجته، لقال: الاستعمار هو السبب

    !!

    *العرب القطرية


  •