المثقف.. في عصر التكنولوجيا

  •  
  • 2012-04-17
    الإمارات الان
    مارس المثقف العربي خلال مراحل التاريخ المختلفة دورا توعويا رياديا مباشرا في مجتمعه، لا ينافسه في ذلك إلا السياسي الذي يمتلك القرار والقدرة على تغيير اتجاهات الناس، لكن هذا الدور يواجه اليوم تحديا لم يسبق له أن واجهه، ويضع هذا التحدي المثقف العربي في مأزق حرج، فاتساع استخدام التقانة دفع بدور المثقف التقليدي إلى المراتب الخلفية حتى كاد يلغيه، إذ نشأت أجيال في المجتمعات العربية تعرفت على التقانة قبل تعرفها على المثقف، بل أصبحت تنظر إلى دوره من خلال هذه البوابة التي لا يلجها إلا من توفرت له أدوات المعرفة المناسبة لها، إن كثيرا من المثقفين العرب غير قادرين على التعامل مع هذا «العالم» الجديد، بل يكاد بعض أبنائهم يبزونهم في استخدام التقانة لا كآلة صماء، بل كمصدر للمعرفة والثقافة والعلوم، وأصبح المثقف العربي أمام خارطة واسعة لمصادر المعرفة والثقافة خاصة لأولئك الذين حصلوا على قدر من اللغات الأجنبية التي تمكنهم من التواصل مع مصادر المعلومات كشبكة «الإنترنت» وغيرها، فتجاوز هذا الجيل المثقف التقليدي الذي لم يستطع أن يطور أدوات التواصل مع غيره، إن هذه الحالة ليست حالة مؤقتة أو «عاصفة يحني لها المثقف رأسه حتى تمر» بل هي حالة تزداد وتضطرد، وقد أدت إلى وجود مصادر معرفية بديلة كوسائل الإعلام التي ارتبطت «ربطا وثيقا بالوسائل الإلكترونية فأصبحت وسائل الإعلام والوسائل التواصل الاجتماعي تشكل الآن عصب أي نظام اتصال حديث»، وتشير الدلائل إلى أن ارتباط البشر -والعرب من بينهم- بعصر المعلومات يزداد يوما بعد يوم، مما يجعل المثقف العربي خارج دائرة الفعل إذا لم يواكب هذه المصادر.
    إن هذا لا يعني تعميم الصورة السلبية عن علاقة المثقف العربي بالتقانة وعصر المعلوماتية بل هناك تطور واضح لدى كثير من المثقفين العرب الذين أدركوا حالة التقانة أو نشؤوا عليها خاصة من الشبان الذين أتاح لهم نظام التعليم الحديث التعرف على هذه الأجهزة والتعامل معها تقنيا، لكن يبقى السؤال المشروع، كم من المثقفين العرب بل الأكاديميين العرب قادر على التعامل مع نظم المعلومات ومصادرها التقنية؟ إن دراسة علمية متخصصة قادرة على الإجابة على ذلك، وحتى تصل هذه الإجابة يبقى السؤال قائما، أما عن التعامل مع المعلومات التي تحتويها هذه المصادر فإن قياسا غير دقيق لا يمكن أن يجزم بهذا التعامل لكن يكفي أن نشير إلى ما «يخوفنا»!! به أهل الإنترنت حين يخبروننا أن ما تحتويه هذه الشبكة من المعلومات قادر على تغطية وجه الكرة الأرضية بطبقات ورقية سميكة ترتفع فوق الأرض أمتارا عدة!! فكم نصيبنا نحن العرب من هذه الطبقة؟ إن هذا العالم الجديد للمعرفة يعد من أبرز التحديات أمام المثقف العربي، تحد من الوصول إليه وتحد من استخدامه، وتحد من توظيف المعلومة وتسخيرها للمستخدم، لكن أثر هذه الثقافة لا يتوقف عند الاستخدام فقط، بل يتعدى ذلك إلى عالم الثقافة والمعرفة ذاته، فإذا كانت «تكنولوجيا الطباعة بظهور آلة جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر قد أسرعت في محو الأمية وكسر احتكار المعرفة وكانت إحدى العوامل الفاعلة في تجربة الفكر الغربي وتوجيهه نحو العقلانية وتطور مؤسساته العلمية والتعليمية والثقافية، فالمعرفة في صورتها المطبوعة لم تساعد فقط على نشر المادة المعرفية بل ساعدت على تنمية المهارات العقلية من خلال التعامل المباشر مع النصوص بعيدا عن سلطة المتحدث والانفعالات العاطفية التي تصاحب عادة عملية التواصل اللغوي الشفاهي -إذ كان الأمر كذلك- فإن تكنولوجيا المعلومات هي التي جعلت من المثاقفة صناعة قائمة بذاتها لها مرافقها وسلعها وخدماتها، وأضافت إلى قاموس الثقافة مفاهيم جديدة في مجالات الأدب والنقد والتذوق الأدبي، وكذلك فيما يخص دور الأديب والناقد والقارئ». ولن يتوقف الأمر عند ذلك بل سيمتد إلى تأثيرات مباشرة على الصور الثقافية كاللغة والتواصل الشفاهي والكتابة واستخدام النص والتكوين البنيوي للنص، بل سيمتد إلى الفن التشكيلي والموسيقى والأدب والشعر والسينما، إذ يذهب البعض إلى أن التكنولوجيا يمكن أن تصبح بديلا عن بعض هذه الصور الثقافية والأدبية.
    إن المثقف العربي أمام حالة جديدة من حالات التواصل التي يمكن أن تدفع بدوره إلى خطوات متقدمة إن أحسن استغلالها والاستفادة منها، أما إن تجاهلها فسيجد نفسه في حالة من التراجع تسلمه إلى العزلة والابتعاد عن الصدارة الذي هيأ نفسه لتوليها وهذا ما بدا من حالة بعض المثقفين الذين ما زال بعضهم متقيدا بالنظم التقليدية في التواصل مع الآخرين، وهذه الحالة ليست مقتصرة على المثقف العربي، بل تكاد تصيب المثقفين والكتاب حتى في بعض المجتمعات المتقدمة، فرغم إجادة كثير منهم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فإن حضورهم ومشاركتهم فيها قليل ويتركون تلك المهمة لمساعديهم أو لدور النشر والمؤسسات المختصة التي تتولى التواصل نيابة عنهم.
    لقد أصبحت التكنولوجيا جزءا من حياة الإنسان، فالعنوان الإلكتروني والعنوان على مواقع الفيس بوك وتويتر واليوتيوب أصبحت أكثر شهرة من عناوين بعض المثقفين، وربما يأتي يوم تسأل أحدهم عن اسمه فيجيب .
    نقلاً عن جريدة العرب القطرية

  •